یکشنبه, ۲۱ بهمن, ۱۴۰۳ / 9 February, 2025
مجله ویستا

محطات قِطار لا یمر بهذه المحطة



      محطات قِطار لا یمر بهذه المحطة
حسین عباسي

المحطة الأولی: قبل ستة أشهر، قرأت نصاً للمسرحي السید کاظم القُریشي عنوانه "لا یمرّ قطار بهذه المحطة". وقد أرسل السید النصّ للقاص سالم باوي، والناشط الثقافي المهندس أمیر أنواري أیضا، کي یدلي کلٌّ منّا برأیه.

أنا شخصیا أعتبر هذه السجیة من الأستاذ کاظم، من میزات عمله الفني؛ إذ التواضع وقبول النقد یرفع الفن والفنان درجات.

بعد عشرة أیام من إرساله النص لي، التقیت بالسید کاظم في بیته في مدینة "کوت عبدالله" وقد وجدت الأستاذ سالم باوي والمسرحي - الذي کنت ألتقي به لأول مرّة – الأستاذ الفنان عبدالعظیم عساکرة. تحدثنا عن المسرحیة وشخصیاتها ودورهم ولغتهم؛ وکأنهم کانوا إلی جانبنا متجسدین. کانوا أربعة أشخاص؛ کلٌّ منهم یعبّر عن فکرة نمط مِن جیل؛ وهم – أعنی الشخصیات - امرأة بین ثلاثة رجال.

کان النص دراماً – خلافاً لما عهدته من مسرحیات السید کاظم – فله باع طویل عُرف به، في کتابة مسرحیات فکاهیة وإخراجها، یأمل في مسرحیاته أن یقلل من وطئة المأسآة التي یعیشها المجتمع، ولعلها ترجع البسمة / القطار! إلی شفاه المواطنات والمواطنین.

إنّ حیاة السید کاظم شبیهة تماماً بمسرح بجمیع أعضاء کادره؛ عمله، کتابته، بسمته العریضة، انفعاله وفعله، حضوره وغیابه.

غاب عنّي السید کاظم طویلا، ولم تجمعنا إلّا البرامج، والمناسبات الثقافیة هنا وهناک. لفترة کنت قد تعودت أن أزوره؛ سواء في بیته أو في "مسابقة فرسان الشعر" والجلسات التي انعقدت قبلها حتی أیام المسابقة والحفل الختامي – قبل رمضان بأیام. کنت - إلی جانبه - أحد حکّام المسابقة، وکان السید کاظم یحضر بتمامه وتحضر زوجته الکریمة وأولاده، في تلک مساءات الأهواز الساخنة. کان یُثلج صدور لجنة الحکام، والمشارکین وعوائلهم، والقائمین علی المسابقة؛ أعضاء مؤسسة المعلم الثقافیة.

دخل السید کاظم بعد تلک الفترة في نوبة غیاب جدیدة، وانقطعت أخباره عنّي، وأنا بدوري کنتُ الغائب الحاضر – إذ طال بقائي هذه المرة في مدینة الأهواز، وکثرت أعمالي، وقلّ تواصلي مع أکثر الأصدقاء.

مع هذه الانشغالات، کنتُ أفکر بالقطار الذي علیه أن یمرّ ولایمرّ من محطة حیاتنا، حتی اطّلعت علی عرض المسرحیة الأول في مدینة معشور. وما کان مني إلّا أن أتصل بالأستاذ أمیر أنواري – أحد مدیري موقع بروال – وأن اصطحبه إلی تلک المدینة. المحطة الأولی کان بیت الأدیب الأستاذ مصطفی الأریحي. دخلنا بیته العامر / بیتنا في الیراحي في منطقة سکنیة واسعة تُدعی "ممکو"، واحتسینا قهوة المساء، وکان علینا أن نرجع لمأدبة الطعام عشاء إلی بیت مصطفی. ذهبنا مع الأستاذ مصطفی نحو مدینة معشور – وبین المدینتین ما یقارب من عشرین کیلومترا – متجهین نحو صالة العرض.

کما ذُکر، علی المسرحیة أن تتکون من ممثلة واحدة وثلاثة ممثلین وهم: إیریّح، ومرزوق، وسلطان، ونجوی. لکني کنت أمام إیریّح، وإیریّح، ومرزوق، وسلطان، ونجوی، ونجوی، ونجوی، ونجوی، والکاتب، والمخرج - کممثلین وممثلات!

لقد استخدم المخرج عبدالعظیم عساکرة صلاحیاته – کما قال السید کاظم – وأدخل بعض اللمسات في المسرحیة، وقد أضاف من حیث الإخراج أبعادا / شخصیات أخری حتی أمسی هو وکاتب المسرحیة من المسرحیین – وکأنهم أجمع، ینتظرون مرور القطار بهذه المحطة.

شارک الجمهور بشکل فاعل، بحیث ازداد عدد دقائق المسرحیة بسبب تصفیقهم وتشجیعهم!

المحطة الثانیة: کنت أعرف بعض الممثلین والممثلاث عن بُعد؛ فقد حضرت بعض المسرحیات لکني لم أکن أعرفهم الآن. هل هذا هو عباس الزهیري الذي یمثل دور سلطان – کشاب لا یبالي بما یحلّ بالناس وهاجسه نفسه "ولو سحق علی رقبة الآخرین" - کما عبّر هو. هل هذا حقا عباس الزهیري الذي یُعرف بأدواره الساخرة وبسمته الوسیعة!

عباس الزهیري صعد علی خشبة المسرح منذ اکتشف مواهبه السید القریشي، تحدیدا منذ المرحلة الدراسیة في الابتدائیة؛ منذ 21 سنة وهو الآن في سن اﻟ 29 من العمر، له زوجة وثلاثة أطفال.

قال عباس / سلطان: لم أکن أقبل بالواقع .. کنت أبحث عن مکانة أفضل .. لذا فعلتُ ما فعلتُ – طبعا في المسرحیة!

وعندما سألته: هل بعد نهایة المسرحیة ومعرفتک بالماضي واعترافک بدورک السالب، ستبقی "سلطان"؟

قال: لا .. بل أختار اسم "رحیم"!

المحطة الثالثة: عندما دخلتُ القاعة، وجدتُ تمثال رجُل عربي واقف، فظننته من جملة إکسسوارات المسرح؛ رجلٌ أسمر اللون، یرتدي دشداشة وعلی رأسه کوفیّة، متعَب الجبین والوجنات، علیه جمیع أمارات المعاناة. بعد دقائق، تحرّک التمثال. کان فیصل الزرگاني الذي یمثّل دور إیریح الکهل. فمن ذکاء الکاتب أنّه اختار اسماً فیه توریة؛ إیرّیح من الراحة والارتیاح أو مِن الجُرح والجراح! إنها تسمیة الشیء باسم ضده .. فإیریح لم یجد راحة في حیاته؛ لا یُریح ولایستریح، و"خانته الظروف" – کما قال فیصل.

کان فیصل الزرگاني قد مثّل دور شخص آخر إبان التمرینات، لکنه عرف أنّ ما یناسبه هو دور إیریح – ولابدّ لهذا التغییر في الأدوار أن لا یأتي اعتباطا؛ فهناک خلف الکوالیس عمل وبحث دؤوبین وثنائي بین المخرج، وبین الکاتب الذي یعرف أعضاء فرقته؛ فرقة إشراق للمسرح في قضاء کارون – کما جاء في بدایة نص المسرحیة.

بدأ فیصل التمثیل من الثانویة مع السید کاظم. کشف القریشي مواهبه. کانت "میزان العدالة" الفکاهیة أول مسرحیة اشترک في تمثیلها. قال فیصل مؤکدا بأنّ للأستاذ عساکرة دورا بارزا في کشف المواهب للتمثیل أول مرة في عمل درامي، فإنّ المخرج أراد منهم أن یفکروا بعمق في أدوارهم، وحثهم علی قراءة کتب اشتراها فیصل وقرأها فنفعته، وأثرَت تفاعله مع دوره الدرامي الجدید.

سألته: هل تعذر "مرزوق"؟

أجاب: لا أعذره .. عليَّ أن أفضحه أمام الآخرین، لیتجنّب الناس منه ومن أمثاله .. عليّ أن أحذّر الناس منه – ممن أبعدني عن حبّي نجوی.

وسألته، ومَن کانت نجوی بالنسبة لک؟

قال – وهنا تحدّثت دموعه قبله: هي أول حبٍّ جرّبتُه في حیاتي ...

المحطة الرابعة: الوقت داهمنا. لابدّ من الرجوع إلی الأهواز. سأتحدث مع أيّ نجوی من بین أربعة مثّلن هذا الدور. کانت الحوارات في مطعم "نرگس" في معشور. کان من المقرر أن نعتذر أنا والأستاذ أمیر من الأستاذ مصطفی الأریحي ونرجع إلی الأهواز، لکنّ مصطفی أبی، بل قام بدعوة کلّ من وطئ أرض معشور؛ سواء من الأهواز أو الفلاحیة أو الیراحي - بما فیهم جمیع من صعد علی الخشبة اللیلة وکادر المسرح وبعض عوائلهم الذین اصطحبوهم إلی معشور.

التقیت بنجوی الثانیة؛ مریم القریشي بنت الأستاذ کاظم. کانت السؤالات سریعة - فالمطعم علی وشک إعلان نهایة الوقت!

- هل تعذرین مرزوق علی عمله؟

- لا!

- هل تفکرین بابنک سلطان؟

- لا .. وسیکون مصیره مصیر أبیه الذي کذّب عليَّ دهرا.

- فلماذا تترکینه؟

- خسرت کلّ شيء، وما خسرته سابقا أعظم من خسارتي الآن.

بورکت یا سیّد کاظم، فقد عملت بمبدأ علیکم بالأقربین، وها هو فنّک الذي أنجب ممثلة أخری.

المحطة الخامسة: کان من حظّ إیریح الشاب، أن یمثله الشاب الموفق ماجد رستمي زاده. لماجد باع طویل في مجال التصویر والسینما والمسرح. قضی ماجد عشر سنوات في المسرح. ذکر اسم بعض أساتذته: علي ثاني، وتقي آلبوخنفر، وجاسم حروبي. کان ماجد یعمل خلف الکوالیس في 15 مسرحیة. کما له تجربة التمثیل في ثلاث مسرحیات فکاهیات.

وجدت في ماجد ملامح السینمائیین أکثر منها من المسرح. فقد عمل مصورا لأفلام وثائقیة، ومنذ ستة أشهر وهو مع مسرحیة السید کاظم وعبدالعظیم، یجرّب ما سوف یجربونه أمامه الممثلون في أفلامه. وقال إنما قام بالتمثیل کي یتعرّف علی صعوبات هذا الفن. یَعتبر ماجد التمثیل في المسرح عملا صعبا جدا. لکن مصیر ماجد – شاءت الأقدارُ أم أبت – مشدود بالفن – سواء في المسرح أو السینما.

المحطة السادسة: لم ترضَ میترا غرباوي التي مثلت إحدی أدوار نجوی، لم ترض لنفسها / لنجوی أن تترک البیت. کان الحدیث معها بعد مرور ساعة مِن نهایة المسرحیة، ولکنها ما زالت في المسرحیة – وکنّا علی مأدبة الطعام!

أجدها ودّت لو طالت المسرحیة ساعات. أجدها تودّ التحدث مع نجوی ونجوی ونجوی وتحاول إقناعهن کي یرجعن لتغییر واقع المسرحیة الورقي / الواقع – حرصاً علی مستقبل ولدها. تخشی نجوی أن یصیر مصیر "سلطان" کمصیر أبیه – وإن کانت لا تعذر مرزوق علی ما فعله بشبابها. قبلت في النهایة أن ترجع وتعیش مع مرزوق. قبلت وقالت بجرأة: سأرجع وإن کان قلبي یبقی مکسورا .. سأحاول أن أفهم سلطان .. أحاول أن أساعده حتی یعثر علی حبّه الصحیح کي یختار زوجته ببصیرة.

میترا التي مثّلت دورها للمرة الأولی – کما هو حال مریم القریشي – أکّدت باطمئنان بالغ:

سأمثل في المسرح حتی الأبد!

المحطة السابعة: وکنت أسئل نفسي هل الحب یکفي لاستمرار الحیاة؟ کنت أتذکر تجارب الآخرین في ما رأیت وقرأت وشاهدت. وکان لزاماً عليَّ في نفس الوقت أن أعثر علی مرزوق – السید شاکر موسوي – کي لا أظلمه؛ فقد حمل علی کاهله عبئَ ما فعلت به المسرحیة علی ید الکاتب وإرشادات المخرج. تحدثت معه ولم أکن أعرف هل أحاور السید شاکر أم "مرزوق". رجل سیطر علی لغة جسده، فصار من الصعب معرفته!

قال: الحق مع نجوی التي نجت بنفسها .. ولها الحق أن تزعل مني .. لا أن تترکني – وإن تزوجتها بخدعة - .. سأبحث عنها .. سأعتذر منها .. کان کلّ ما فعلتُ بسبب حبّي لها.

السید شاکر ممثل تلفزیوني، ومسرحي وله أفلام وثائقیة أخرجها – وهل مِن السهل معرفته!

المحطة الثامنة: وهل لنجوی الأخیرة – بسنة ناصري- أن تغفر "مرزوق" علی عمله!

قالت بصراحة: لا .. لأنّه أخفی الحقیقة .. لقد حطّم حیاتي وأخذ منّي حبي وآمالي.

المسرحیة بدّلت اسمها / اسم نجوی الأخیرة إلی "سمرة"، لکن بسنة ناصري (أم یاسر) أبت، فلم تقبل بهذا التغییر قائلة:

نجوی .. ستبقی؛ نجوی .. ستبقی نجوی!

بسنة ممثلة تحملت صعوبات التمثیل منذ أعوام، ومهّدت لمثیلاتها. کان دورها رائعا – وکیف لا، وهي زوجة الفنان هادي ناصري الذي له مکانته في المسرح. وکان في هذه المسرحیة المسؤول عن الإضاءة.

المحطة التاسعة: خرجنا قسرا من المطعم. أخرجنا صاحبه ومداهمة الوقت. کلٌّ إلی بیته. في الباحة التقیت بالممثلة المسرحیة مریم طرفي. 14 عاما من التمثیل في المسرحیات العربیة والفارسیة، جاء بها إلی مدینة معشور حباً بزمیلاتها وزملائها، لتشد علی أیدیهنّ / أیدیهم. اعتبرتها مسرحیة ناجحة – نصّاً وإخراجا. فعبدالعظیم دائما یحظی بفکرة جیدة وجدیدة. أشارت إلی تمثیل إیریح الرائع، وفریدة إلهایي سحر وقالت بأنها مبدعة.

سألتُها لو خیّروها بدور نجوی هل ستکون نجوی أم نجوی أم نجوی أم نجوی (سمرة). قالت ستکون نجوی الزوجة أم سلطان – لأنها أحبت هذا الدور.

عليّ أن ألتقي بالممثلة فریدة إلهایي سحر، والمسؤول عن الإضاءة هادي ناصري، وسائر العاملین أي محمد أنصاري، وتوفيق مرجاني، وجعفر حزباوی، وسید جواد القريشي فما عملَه هؤلاء خلف الکوالیس لیس أقل أهمیة من دور الممثلات والممثلین. تأخر الوقت، ولکني سأنتظر قطار المسرحیة حتی یصل محطة الخفاجیة ومهرجانها المسرحي. آمل أن أکون هناک، فعرضٌ واحد لا یُشفي الغلیل.

المحطة العاشرة: لقد أجبر الکاتب السید کاظم القریشي، والمخرج عبدالعظیم عساکرة، أجبرا القطار أن یتوقف بمحطة کلّ ما شاهد العرض الأول. سأنتظر القطار الذي أجبرني أن أراجع محطات حیاتي علی شکل ارتجاع فنّي (Flash Back)؛ أن أحاسب نفسي عن کلّ ما فعلت أو لم تفعل، عن کلّ ما قام به أحد أمامي ولم أتخذ قرارا حاسما؛ عن کلّ موقف حیادي – لم یکن من حقي الحیاد.

وأخیراً: لیس بوسع القطار أن لا یمر بهذه المحطة؛ فالعمل المسرحي لا یسمح له.

توضیح:

درباه ی نخستین نمایش تئاتر "قطاری از این ایستگاه نمی گذرد". نویسنده: سید کاظم قریشی؛ کارگردان: عبدالعظیم عساکره. محل اجرا: شهر ماهشهر / خوزستان. عکس ها: امیر انواری.

این تئاتر، به زبان عربی عرب های خوزستان و با نام "لا یمرُّ قِطارٌ بهذهِ المحطّة" نوشته و اجرا شده است.



      محطات قِطار لا یمر بهذه المحطة


      محطات قِطار لا یمر بهذه المحطة


      محطات قِطار لا یمر بهذه المحطة