سه شنبه, ۱۹ تیر, ۱۴۰۳ / 9 July, 2024
مجله ویستا

حوار مع الأكاديمي ناصر فكوهي: الوداع مع الطبيعة



      حوار مع الأكاديمي  ناصر فكوهي: الوداع مع الطبيعة
نسیم بیداری

إن الانسان وطوال تحوله وتطوره من مرحلة الصيد وجمع الطعام وصولا إلى السكن في الأرياف ومن السكن في الأرياف إلى السكن في المدن، قلما اقتبس نماذج من الطبيعة، وعلى العكس، خاض مزيدا من التعارض والتناقض معها لدرجة أننا نقف اليوم على أبعد مسافة من الطبيعة وندخل في مزيد من التعارض والتناقض معها. وقد أجرينا بهذا الخصوص حوارا مقتضبا مع متخصص علم الانسان والاستاذ الجامعي الدكتور ناصر فكوهي. وفيما يلي نص الحوار:

كيف تتبلور العلاقة بين الانسان والطبيعة في منظور علم البشريات الجديد؟

كان التصور حتى فترة مديدة أي منتصف القرن العشرين قائما على أن العلاقة بين الانسان والطبيعة هي علاقة “منفصمة” أي أن الانسان “انقطع” عن الطبيعة مع صناعته للأدوات، وهناك اليوم حدود واضحة بين الانسان والطبيعة. لكن المعطيات المختلفة للبيئة  وعلم السلوكيات الحيوان  والطب النفساني العصبي وعلم الآثار وطبعا علم الانسان الثقافي والتاريخي يظهر بان هذه الأطروحة ليست صحيحة كما يجب وأن العلاقة بين الانسان والطبيعة هي في معظمها على هيئة “تسلسل” و”تطور”. أي أن موقع الانسان هو شكل ومحتوى عن الطبيعة نشأ بصورة تدريجية. ومع ذلك فان الكثير من التساؤلات في هذا الخصوص بقيت بلا جواب أو أن تساؤلات جديدة استحدثت بما فيها: ما هي المكانة التي تحظى بها “حقوق الانسان” فيما يخص “حقوق الطبيعة”؟ أو ما هي أوجه الإشتراك والإفتراق بيننا وبين الحيوانات؟

هل تعليمات الطبيعة للانسان كانت قائمة على أساس توفير إحتياجاته الروتينية بما فيها الغذاء والسكن و… عن طريق تواصله مع الطبيعة أم أن الترابط مع الطبيعة يؤثر على سلوكيات الانسان وخلقه لاسيما في بلورة شخصيته وسلوكه الاجتماعي؟

إن الانسان وتأسيسا على قرائن وشواهد علم الآثار لم يبق ولأسباب مجهولة بالنسبة لنا، في أطره الطبيعية بما فيها الأطر الجسدية. على سبيل المثال، فانه قام بتغيير كيانه بوصفه حيوانا يعتاش على النباتات ويفتقد إلى أعضاء ومهارات الصيد (مع ابداع الأدوات). وجعل تغذيته واساليب حياته تختلف عن باقي الكائنات، لكنه لم يبق على إحتياجاته عند حدودها أي في الحدود التي حددتها الطبيعة في دورة النظام البيئي. إن الإحتياجات الأساسية للانسان هي احتياجات حيوية وطبيعية، موجودة لدى الكثير من الحيوانات الاخرى، لكن الانسان ذهب إلى أبعد من هذه الاحتياجات بكثير وحول الإحتياجات الطبيعية إلى إحتياجات ثقافية لذلك فان الانسان يتصرف حتى في أكثر سلوكياته عادية، بصورة “ثقافية” أكثر منها طبيعية. إن التفكير لدى الانسان في إطار طبيعي بحت، لا معنى له بالكامل ازاء ما نسميه “الطبيعة” بصورة متعارفة.

إن الحياة في الطبيعة تنمّي لدى الانسان الطبيعة الوحشية، لان الانسان يتعلم النضال من أجل الحياة في الطبيعة، ومن جهة أخرى، فانه بحاجة إلى تفكير عقلاني في مواجهته للحضارة، وبناء على ذلك كيف يتعين على الانسان توجيه ذلك في ضخم التلاقي بين الحضارة والطبيعة؟

ليس هكذا، بل أن ما حدث هو عكس هذا. إن ما يسميه الانسان اليوم بالوحشية والماهية الحيوانية، هي صفات انسانية أكثر منها طبيعية. إن الطبيعة وكما أكد مونتني وجان جاك روس قبل غيرهما، لا تنطوي على “الوحشية” و”القسوة”، وإن كانت تملك ذلك، فانه نادر للغاية (كما اكتشف اخيرا علماء السلوكيات الحيوانية). إن الحيوانات تعيش في الدورات الطبيعية البحتة وتقيم علاقة متسقة ومتزنة مع الطبيعة، في حين أن الانسان أربك هذه العلاقة في كل مكان. إن الانسان هو أكثر كائنات الطبيعة خشونة وعنفا، إذ يمارس القسوة ليس تجاه كافة الكائنات التي لا تنتمي إلى نوعه فحسب بل أننا نشهد في داخل صنفه أي البشرية أوسع أشكال العنف، وهذا الشئ بلا شك ليس وليد الطبيعة لانه لا يملك مصداقا في الطبيعة، بل هو حصيلة الثقافة التي أستحدثتها البشرية وهي ثقافة تراتيبية وقائمة على التمييز وعدم المساواة في الإمتيازات والإمكانات المادية.

إن التفاعل الاجتماعي والتوافق الإجتماعي يشكلان مبدأين مهمين لدى الأناس الذين يختارون الحياة الجماعية جنبا إلى جنب، فما الدور الذي تضطلع به الطبيعة في بلورة التوافق والتفاعل الاجتماعي وفي الحقيقة تعزيز العلاقة بين الأعراق المختلفة والوحدة فيما بينها؟

إن أحدث الموضوعات التي نعرفها عن التنمية والتي نطلق عليها اسم التنمية المستدامة تظهر لنا أنه على النقيض من النظريات السابقة التي كانت تعتبر الإستهلاك الأساس والأصل في التنمية وتحويل الإستهلاك إلى القوة الدافعة للتنمية، وأوصلت بذلك العالم إلى وضع يرثى له، فانه يجب من خلال تعديل هذا الإستهلاك وتوطيد العلاقة بين المجتمعات الانسانية والمصادر الطبيعية، العمل على المزيد من تطوير جودة هذه التنمية. والقصد من المستدام، هو ألا نضع بسبب إستهلاكنا الطبيعة في موقع لا تستطيع فيه الأجيال اللاحقة عدم الإفادة منها، أي ألا نلوثها ولا نهدر مواردها ومصادرها. إن الطبيعة تظهر للانسان نماذج التنمية المستديمة. ومن أجل درك هذه النماذج يتعين درك الدورات الحيوية في الطبيعة ونرى كيف أن الكائنات المختلفة تعيش لا ضد الطبيعة بل في تناسق وتناغم معها. إن هذا التناغم والتنسيق هما مفتاح تحسين حياة الانسان. إن التوترات التي نشهدها بين ابناء البشرية والحروب والتشنجات والعنصرية والقومية المتطرفة والإيديولوجيات البلهاء، كلها حصيلة ضرب من النظرة المتسمة باذلال الطبيعة والكائنات الاخرى وتفضيل الذات على باقي الكائنات، وبالتالي العمل على إقامة علاقات تتسم بالهيمنة على الطبيعة والتي تؤدي إلى علاقة الهيمنة بين الجماهير أنفسها وتصاعد العنف من كل أنواعه فيما بينها.

نظرا إلى أن الانسان الحقيقي بدأ من الطبيعة ذاتها، ففي أي مرحلة يقع هذا التواصل اليوم بين الطبيعة والانسان؟

إن العلاقة في أصلها وأساسها تتعارض اليوم مع الطبيعة لان النظام الرأسمالي هو نظام لإستغلال الانسان للطبيعة واستغلال الانسان للانسان وهو يبحث على الدوام عن إيجاد استهلاك أكبر، وهكذا نظام لا يمكن له إلا أن يقيم علاقة متناقضة مع الطبيعة. ومع ذلك، فان الرأسمالية لا تملك نمطا ثابتا، إن أسوأ أنماط الرأسمالية هي عملية بدأت منذ نحو خمسين عاما ويطلق عليها الرأسمالية المتأخرة أو الرأسمالية المالية. إن هذا النمط من الرأسمالية والتي تعتبر أمريكا مركزها العالمي، أقامت أسوأ علاقة مع الطبيعة. ونرى تبعاتها اليوم على شكل تلوث البيئة في أرجاء العالم. وسبب أن العالم الثالث أكثر تلوثا من الدول الغنية يعود إلى أن الدول الغنية نقلت صناعاتها إلى دول العالم الثالث منذ ثلاثين عاما وشجعت من جهة أخرى الإستهلاك فيها. في حين أن الرأسماليات من النوع الاجتماعي التي نشاهدها على سبيل المثال في البلدان الاسكندينافية، قلما تتعارض مع البيئة، لذلك فانها تقدم خدمات أكبر لشعوبها.

هل تعتقد بأن قطيعة الانسان مع الطبيعة، يمكن أن تؤثر في المستقبل المنظور على الأزمات الإجتماعية أم أنه يمكن في الوقت الحاضر مشاهدة النتائج السلبية لذلك؟

إن قطع العلاقة الفيزيائية مع الطبيعة، مثلا ألا نذهب كثيرا إلى الغابات والصحارى، ليس مهما بقدر أهمية قطع العلاقة الفكرية والأخلاقية معها. إن قطع العلاقة الفكرية والاخلاقية مع الطبيعة هي الإستهلاك ذاته والذي يخلف تداعيات ونتائج كارثية على البشرية. إننا أصبحنا لا نؤمن بالطبيعة. وهذا شئ مقلق، لا ألا نذهب إلى الصحراء. إننا نظن أنه كلما استهلكنا أكثر وكلما جمعنا أدوات أكثر، وكلما دمرنا الطبيعة بشكل أكبر لنشيد محلها المباني ونصنع منتجاتنا منها، كلما نحصل على المزيد من الرفاهية. وهذه كارثة بحد ذاتها، يجب فهمها بداية وهو ليس بالأمر السهل، ومن ثم يجب تغيير أنماط حياتنا تأسيسا على هذا الفهم وهو عمل شاق للغاية. إن الآثار السلبية لقطع الانسان العلاقة الفيزيائية والذهنية مع الطبيعة يمكن مشاهدتها في الوقت الحاضر. وأهم العلائم تكمن في إنعدام الهويات الحضرية الواسعة، وتصاعد العنف وإنهيار العوائل والتلوثات المتعددة التي نواجهها في حياتنا وتدمر حياتنا شيئا فشيئا.

متن فارسی: 
http://anthropology.ir/node/23050

منبع متن عربی :

onviewpoint